The Fallen Sentient. [العربية]

avatar

The Wounded.jpg

The Wounded Angel - Hugo Gerhard Simberg

من بين الأشياء التي لا أحب القيام بها هي إلتقاط للمظاهر والصور التي تعجبني فعلا، فلسبب ما، أحب الإحتفاظ بتلك الصور أو اللحظات التي عشتها في ذاكرتي بدلا من تسجيلها أو إلتقاط صور لها. فكم من مرة يكون فيها الشخص واقفا بين ظلال الطبيعة يتمعن فيما حوله، يفكر في أشياء أخرى حتى تهب الرياح به وترفع الأوراق من حوله إلى موطن أسراره، إلى ذلك المكان الذي هجرناه جميعا منذ مدة. إنها لحظة يشعر الشخص أنه خرج من مصفوفة حيكت له من غير درايته، لحظة يرى فيه الصورة الكبرى، بصيص أمل أو سراب واقعيته المرة بعيدا عن واقعية الإستهلاك اللحظي والآني. ربما السبب وراء ذلك هو إعتبار أن تلك اللحظات هي ملك لي أنا وحدي، وأن تلك المشاعر التي كنت أشعر بها في تلك اللحظات هي مشاعر صادقة. ربما هي ليست بمشاعر، بل لحظات نادرة ومميزة، لحظات ينسلخ فيها الفرد من توقعاته الإنسانية ويذهب أثنائها بعيدا في تفكيره وتدبيره، لحظات يتحسس فيها الشخص جمالا وعمقا لا مثيل لهما. ما عشته لم يكن شيء سريالي أو شيء قائم على الأحلام والأفكار الخيالية، وإنما شيء قائم على العقل والتأمل.

Joseph Mallord.jpg

Fishermen at Sea - Joseph Mallord William Turner

تشعر بسرمدية الموقف وكأنك بعيدا عن المسلمات البائدة، العقيدة المتوحشة. ولكن رغم كل هذا، لازلت أشعر أن الأمر يعد ربما أعمق من ذلك بكثير، لأن إدراكنا للعالم الخارجي وقدرتنا على الربط بين مختلف الأشياء التي تَمكنا من ممعيرتها كبشر لا زالت بعيدة جدا على نسيج الواقع. ربما على الشخص أن يتوقف في بعض الأحيان عن الأشياء التي يقوم بها للحظة فقط من أجل أن يفكر فيما هو موجود من حوله، أن يحاول ويقوم بربط مختلف الأشياء التي تشكل حياته ببعضها البعض، فيكون بذلك قد قام ببناء صورة وعقيدة أكبر من تلك التي كان يعيش وفقها. لكنني أعرف جيدا أن ليس على الجميع أن يعي بالملحمة الكبرى، أن يتحسس وينظر إلى العالم الذي من حوله وفقها. فالأمر قريب إلى سجن فكري سيثقل من خاض فيه إلى أبديته، فالثمن دائما ما يدفعه الشخص غصبا عند وقوعه في قلب الحقيقة.

Hovhannes Aivazovsky.jpg

The Ninth Wave - Ivan Aivazovsky

أتذكر لما أخبرني أحد الأشخاص أن طريقة تفكيري توحي على أنني خالد، على أنني لا آخذ في الحسبان العديد من المواضيع التي يركز عليها الناس ويعطوها أهمية مبينة. أنني دائما على حافة ما يمكن تخيله وتوقعه، بعيدا عما ينتظره الناس من العقل السليم. ولكن ما هو العقل السليم إذا ما نظرنا إلى ملحمة العيش الإنساني؟ هناك بعض الحقيقة في الشيء الذي قاله لي هذا الشخص، فلطالما إعتبرت أنه على الإنسان يفكر بناءا على عقيدة الخلود هذه. فالأفكار وطريقة تقدرينا لمختلف الأشياء التي تواجهنا في الحياة دائما ما تتغير عند إستخدام مقاربة زمنية أوسع، فالإنسان دائما ما يميل إلى التفكير في القضايا التي تواجهه من منطلق الآنية والفورية، أي تلك القضايا التي لها علاقة بكينونته وطرق عيشه وأهدافه، ورغباته، إلى غير ذلك. ولكن لما علينا أن نفكر بعقيدة الخلود إذا ما رأينا أننا بائدون وعلى كل منا أن يخطط حياته بناءا على متغيرات واقعية وثابتة؟ لما علينا أن نقوم بأشياء فقط لأنها توحي بنمط عميق من التفكير؟ هل هذا مجرد نمط هجين فقط من التفكير الديني والروحي؟ ما الفائدة من كل هذا إذا إعتبرنا أن الطبيعة ستستمر في كل الحالات وأن الإنسان ككائن لا يتوسط الكون؟

Paul Klee.jpg

Glance Of A Landscape - Paul Klee

بعيدا عن كل الأجوبة الفلسفية المعلبة التي يختبأ ورائها معظم المثقفين والعلماء لما يُسئلون عن قضايا تقع وراء مجال الممكن، أحب الإجابة عن مثل هذه الأسئلة بطرق بسيطة جدا، فمعظم هذه الأسئلة دائما ما تذهب بنا إلى أفكار تقع على حافة قدرات إدراكنا كمخلوقات. فالعقل البشري شيء معقد، إذ أنه يحاول دائما البحث عن أسرار الكون، فالفطرة ذهبت بالعديد في الماضي إلى أماكن وأراضي مميتة فقط من أجل معرفة أو إكتشاف المجهول. لكن هناك مجهول واحد لن يقدر أي كان سوآءا من الجانب الديني أو العلمي الإمبريقي أن يتخيله، مجهول لطالما حير الجميع كونه يمثل خطوط حمراء لما يستطيع العقل البشري أن يقوم به. إنه مجهول يوحدنا جميعا في سعينا وراء إيجاد معنى للحياة ومصدرها.

Wind Rive.jpg

Wind River, Wyoming - Albert Bierstadt

لكنني هنا ذهبت بعيدا عن تلك الخطوات الوحيدة التي مشيتها ليلا لأرى نجوم السماء في الصحراء المقفرة، بعيدا جدا عن تلك اللحظات التي جعلتني أمتلك شيء لي وحدي. بعيدا عن النظرات البائدة وصقيع الرطانة الأخلاقية، بعيدا عن آثار الحب المندثر ودمعات الإنسانية الجريحة. لقد نظرت إلى السماء المتلألئة بعد أن لم أجد سبيلا يخلصني من ألم عميق، الفراغ الذي دفعني إلى البحث بعيدا. لا زلت أمشي وحيدا وراء ظلال المجهول الذي جعلني أقع في حب ما وراء النهاية، وحيدا بين أوتار الحقيقة وحقيقة الحقيقة. لازت أبحث عن طعم اللانهاية والعدم، الرحيق الذي أزهر به دَكانة المكان وعباقته الميتة. ها أنا أفكر في الألوان، الألوان التي التي إخترت أن أهجرها قبل حين، من الذي رحمنا وجعلنا كائنات بريئة، كائنات جعلتها بدائيتها لوحة تتضارب بها السماوات؟ كائنات جعلتها خطيئتها نعيما بعد سراب طويل من الحق الثابت. لقد جلست هناك في عرين ما بعد النهاية، جلست أنظر إلى إنعكاس ما ورائي على جدار من عدم، جدار يعكس غرورنا ومدى صغرنا.

Theodor Kittelsen.jpg

The Fairy That Disappeared - Theodor Severin Kittelsen

لقد حاولت سماع ما بعد النهاية، حاولت تخيل تلك المزامير وهي تتذبذب على طنين فزاعة الموقف. حاولت الشعور بدفيء المكان، أن الحياة موجودة هناك، أنني سأتقبل حقيقة أننا قادرين على إستيعاب ما لا إستطاعة لنا عليه، أنني سأجد في النهاية الحقيقة الأولى وما كنت أريد معرفته. لكنني هناك وحيدا بين ظلمات كنت أراها منزلي الجديد، ظلمات كنت أشع في أواسطها مثل الطارق، ظلمات كنت أرى عبرها حديقة زجاجية، المجهول الذي لن نقدر على تخيله. لقد حاولت سماع ما بعد النهاية، ولكنها كانت بعيدة ومقدسة، لقد شعرت بالبداية والنهاية، ثمن البراءة وعقيدة الخالد، إنها الملحمة الآتية التي ستختم ملحمة الملاك الساقط وتبدأ ملحمة ما بعد النهاية والسؤال الأخير. لكنني كنت هناك في الصحراء، بعيدا عن تلك الملحمة، في الصحراء أنظر إلى تلك التراتيل المتساقطة، تراتيل تترامى على كل من أخذ وقته ليرى ما حوله فعلا. في الصحراء بعد أن أزيل من على مصيري ختمٌ للفناء وعقيدة الفاني، في الصحراء أنظر إلى السماء لأرى الهندسة المتلألئة، الدكان الذي تترامى منه شظايا الأمل وطَرقات القدر.

The Long Sleep.jpg

The Long Sleep - Riviere Briton

نظرت بعيدا في التاريخ، إلى ما فعله القدر بالإنسان والمادة، إلى توالي العقائد والثقافات، إلى هندسة العالم والخلق، إلى معضلة القدرية. نظرت إلى المعلومة الأولى، أولى حركات الزمن ونسيج ما سيكون، نظرت إلى آخر جدار وصلت إليه طبيعتي، الجدار الذي جسد لي الفارق بين النهاية وما بعد النهاية. كيف لي أن أعيش الملحمة التي لا لون أو طعم لها؟ كيف لي أن أنظر وأتواصل مع قُدر له مصيره؟ مع من كانت تحيك له كيميائيته الآمال والمشاعر الجياشة؟ ... إني أنا الآخر، الآخر الذي عبر إلى الجانب الآخر من الجدار، وجلس عند ينبوع السكينة الأبدية، في إنتظار السؤال الأخير، والفعل الأخير.

شكرا على مروركم



0
0
0.000
3 comments
avatar

Hi, @dr-frankenstein!

You just got a 0.11% upvote from SteemPlus!
To get higher upvotes, earn more SteemPlus Points (SPP). On your Steemit wallet, check your SPP balance and click on "How to earn SPP?" to find out all the ways to earn.
If you're not using SteemPlus yet, please check our last posts in here to see the many ways in which SteemPlus can improve your Steem experience on Steemit and Busy.

0
0
0.000
avatar

Congratulations @dr-frankenstein! You have completed the following achievement on the Steem blockchain and have been rewarded with new badge(s) :

You distributed more than 14000 upvotes. Your next target is to reach 15000 upvotes.

You can view your badges on your Steem Board and compare to others on the Steem Ranking
If you no longer want to receive notifications, reply to this comment with the word STOP

Vote for @Steemitboard as a witness to get one more award and increased upvotes!
0
0
0.000